تعبير عن المعلم
حب المعلم
المعلم هو الشمعة الأولى التي يفتح التلاميذ أعينهم عليها في حياتهم العلمية، ولما يخرج الطفل من صندوق العائلة أول ما يصطدم به في العالم الخارجي المعلم، وتتنوع مشاعر الطلاب تجاه ذلك الإنسان الذي يعكف على تعليمهم فمنهم من يُحبّه بقدرٍ ومنهم من يُبالغ في حبّه، ولكنّ قلب الأستاذ الرّحيم لا يحمل في دواخله سوى العطف على جميع الطّلاب وكلهم سواسية عنده، ويحار الطّالب كيف يُعبّر عن حبّه لأستاذه فتارة يكتب له ذلك على ورقةٍ بيضاء ازهار جميله، ومرة يُحاول أن يظهر له حبه من خلال اجتهاده في المدرسة ومشاركته دائمًا في الإجابات والمُسارعة إلى تلبية جميع أوامره دون ملل أو كلل.
ولو نظر الشعراء إلى قلب الطفل وهو ينظر إلى معلّمه لعمدوا إلى قرائحهم فاستقوا منها عبير اللفظ والكلام وعبّروا عن ذلك المشهد العظيم، وأيّ شيءٍ أعظم من أن يُحبّ الطفل إنسانًا لا لشخصه وإنّما لفهمه وعلمه وكأنّه الأب الثاني الذي لم تشأ الحياة أن يكون الأول، فيرمق الطفل معلمه بعينين متوقّدتين وهو يُحاول أن ينهل من معينه نهلًا عظيمًا فلا يتوقف حتى يأخذ منه كلّ ما يعرفه.
إنَّ المعلم هو صاحب الشرارة الأولى في عقل الطّالب وفهمه وذاكرته، وتبقى بصمته حتّى ولو حاولت السنون محوها فإنّها لا تستطيع؛ لأنّ من رسم نفسه في ذاكرة الطفل بتلك الصورة الحسنة فلن يقدر أي أحد على محوها، كيف يُمكن للطالب ألّا يُحب علمه وهو مَن قال على إفهامه الحياة ومَن وضع أنامل الطفل الصغيرة على معداد الجمع والطرح والضرب والتقسيم، وكيف يُمكن للإنسان ألّا يكون صاحب شهامةٍ تُمكنه من تذكر العينين اللتين تكادا أن تفقد نور الحياة وهما تسعيان إلى تنوير عقله.
الحب هو تلك المشاعر الصادقة التي يُهديها الإنسان للآخر وهو أسمى ما في الوجود إذ حالة الأرض كلها مبنية على الحب، فالأم لا تطعم صغارها إلا بالحب والأب لا يخرج إلى عمله إلا بالحب والطفل لا يُقبل على معلمه إلا بالحب، فتنشأ بين المعلم وتلاميذه حالة فيزيائية من المحبة الصافية النقية المتبادلة فيحسب الطالب معلمه أبًا له في أحيان أخًا في أحيان أخرى، وتحس الطالبة معلمتها أمًّا رؤوم، وكم استطاع معلمون أن يُغيّروا من طلابهم وأن ينتشلونهم من قاع الفشل والظلمة إلى قمة النجاح والنور.
إنَّ أسمى المهن الإنسانية هي مهنة المعلم فيتطلع الطالب دائمًا إلى مكانة المعلم الذي أشرف على تربيته وتأديبه بعين الوقار والحب مع الرهبة، ليست هي رهبة الخوف وإنما رهبة الموقف من الوقوف في حضره الإنسان الذي أشرف عليه حتى صار رجلًا وكان له أكثر من خمسين بالمئة من بناء شخصيَّته.
أهمية المعلم
ولو نظر المتأمل إلى أهمية المعلم لعلم أنّ مكانته في النفوس لا تُضاهيها أيّ مكانة أخرى، وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد بُعث معلمًا للبشرية برمّتها وهو يعلمهم الصلاة والزكاة والصيام والطهارة والحج، وأيّ معلمٍ أعظم منه وهو الذي كان بإذن الله سببًا في تغيير مسيرة حياة بشرية بأكملها، صحيحٌ أنّ المعلم مهما علا شأنه فإنّه لن يصل شأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن يستطيع المعلم أن يُغير حياة إنسانٍ كاملة والإنسان يقدر على إنسان آخر وهكذا، وكم استطاع معلمٌ بفصاحته ورجاحة عقله أن يُغيّر موازين الحياة ويُعيد ضبطها من جديد.
ولا يستطيع أي إنسانٍ إنكار دور المعلم الناجح في التأثير على طلابه بشكل إيجابي، بحيث يُسهم في تحفيزهم ويدفعهم دفعًا إلى اكتشاف طاقاتهم الدّاخليّة وتوجيهها نحو الطريق الصحيح، والطّالب الذي يستجيب لجهود معلمه يجعل من نفسه شمعة متوقدة يسعى النّاس للاستنارة بها ويؤثر على جيل كامل، عدا عن أهمية المعلم في نقل المعارف الصحيحة إلى الطّلاب، وذلك عن طريق اتّباعه لخطة تدريسية مدروسة تُمكنه من توزيع المنهج التربوي على فترة زمنيّة محددة وزرع المعارف في عقول الطلاب، ممّا يُسهم في تطورهم الذهني وقدرتهم على مواكبة عصرهم.
تكمن أهمية المعلم في قدرته على خلق الجو التعليمي المناسب لكافة الأطفال في الصف، والذي يتمكّن من خلاله من تقديم المعلومة بطريقة بسيطة وسهلة تُسهم في نشر الوعي بين كافة الطلاب وبالتّالي أهل أولئك التلاميذ، ولا يستطيع أي أحد أن يُسهم في مراعاة التطور الذهني للطالب بالاستناد إلى نوع ذكائه سوى المعلم فتراه تارة يُقدّم القاعدة النحوية على شكل أغنية صغيرةٍ يُسهم من خلالها بتحفيظ القاعدة لجميع الطلاب الذين يعتمدون في حفظهم على الذكاء الموسيقي.
وفي آنٍ أخرى تراه يبدأ برسم الخرائط الذهنية على السبورة ويثبت من خلالها مفاهيم الدرس فيُساعد أصحاب الذكاء البصري على تثبيت المعلومات في عقولهم وأذهانهم، ويُسهم المعلم كذلك في قدرته على اكتشاف الأطفال الموهوبين حتى أكثر من أهليهم في كثيرٍ من الأحيان، فترى في آنٍ أهل الطلب قد زهدوا في قدرات ابنهم وسلّموه للحياة تخبطه كيف شاءت ويقف ذلك المعلم الذي وهب نفسه لاستخراج الماس من نفس الإنسان فيلفت أنظار الأهالي إلى تلك الجوهرة المكنونة التي يحوونها ولا ينتبهون إليها.
وتبرز أهمية المعلم بشكلٍ لافتٍ في دوره في تنمية أخلاق الطفل إذ يكون في نعومة أظفاره كعجينة الخبز التي يُشكلها الخباز كيفما شاء، فيُقدم المعلم على صبّ جميع المفاهيم التربوية في تلك العجينة التي بين يديه فينشأ إنسانًا ذا خُلُقٍ رفيع، إذًا فيتضح من سابق الكلام أنّ دور المعلم لا يقتصر فقط على تلقين المعلومة وانتهى الأمر، بل إنّ دوره يبرز كمربٍ وقدوةٍ وصديقٍ وأخٍ وسند في كثير من الأحيان.
واجبنا نحو المعلم
برزت في الآونة الأخيرة مغالطاتٌ لا بدّ من الانتباه إليها حتى تبقى منظومة التعليم ثابتة على الطريق المستقيم، فصار يظنّ الطالب أنَّ المعلم قائمٌ على خدمته وشاركه بعض الأهالي ذلك الظنّ حتى بات المعلم يعدّ الكلام مع طالبه ويتربص في زاوية الصف خائفًا من ردة فعل الطالب وذويه إن هو رمقه بنظرةٍ لا تُعجب الطالب أو لا يستسيغها، والحقّ أنّ المعلم له رهبة كرهبة الوالدين وليس المقصود بالرهبة الخوف أبدًا، وإنما الرهبة أي المبالغة في الاحترام وإظهار الإجلال له، ورحم الله أحمد شوقي حين قال:[١]
قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا
كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي
يَبني وَيُنشِئُ أَنفُسًا وَعُقولا
سُبحانَكَ اللَهُمَّ خَيرَ مُعَلِّمٍ
عَلَّمتَ بِالقَلَمِ القُرونَ الأولى
أَخرَجتَ هَذا العَقلَ مِن ظُلُماتِهِ
وَهَدَيتَهُ النورَ المُبينَ سَبيلا
وبذلك تكون أولى مهام الطالب وذويه تجاه المعلم هو احترامه وتقديم يد العون والمساعدة له، والإحسان إليه بحيث لا يكون الطّالب متصيدًا لأخطاء معلّمه مجاهرًا بها ولا يقع ذلك فقط على عاتق الطالب وذويه، إن دور المعلم في بناء المجتمع لا يجهله أي عاقل بل وتلمسه معظم الدّول المتقدمة التي تجعل من المعلم صاحب المرتب الأعلى والقدر الأهم، وألمانيا خير مثال على ذلك ولمّا طالب الأطباء والمهندسون أن يكون دخلهم المادي كدخل المعلمين قالت لهم وزيرة الخارجية كيف أساويكم بمن علموكم؟ ومن أهمّ الواجبات التي تترتب على الطّالب ألّا يأتي إلى الصف إلا وقد أنهى واجباته الدّرسي وحفظ درسه وكتب وظائفه وحافظ على هدوء الصف، فلا يكون ثرثارًا ولا كثير الكلام أو كثير السؤال بغير فائدة، ولا بدَّ للطالب أن يكون ذا ثقافة عالية فيُحاول دائمًا أن يقرأ كلّ جديد؛ حتى يتمكّن من مناقشة زملائه وأستاذه بكل احترام، فليس المقصود من احترام المعلم هو قول نعم في كل الأحوال إن كان الطالب مقتنعًا بذلك أم لا، بل المقصود هو إبداء الرأي بكل احترام وأدب فالعملية التعليمية لا تقتصر على طرف واحد، بل هما قطبان في العملية التعليمية وفي الحياة برمّتها.
إنَّ المعلم هو الغيمة الماطرة التي لا تبحث سوى عن أرضٍ يانعةٍ يُمكن زرعها وسقايتها، ولكنّ الأرض الجرداء التي لا يذهب الماء إلا بين صخورها لن تفلح الغيمة في إنباتها أبدًا، ولهذا لا بدَّ من استثمار طاقات المعلم وعدم جعلها تذهب هباءً منثورًا، المعلم هو الإنسان الأوّل الذي يُؤثر على المجتمع فلو صلح هو لصلح كامل المجتمع ولو فسدت أخلاقه لفسدت أخلاق المجتمع، وخير مثالٍ على ذلك صحابة نبي الله -صلى الله عليه وسلم- الذين نشؤوا في مدرسة الرسول -عليه الصلاة والسلام- فكان منهجهم القرآن الكريم، فأحسنوا لأنفسهم وللأجيال التي تلتهم، والإنسان الفطن هو من اتّخذ من غيره قدوة له.
التصنيف :
تعبير